إلا تنصروه فقد نصره الله علامة حب الله لأي عبد من عباد
الله بينها رسول في حديثه الذي يقول فيه{إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ
خَيْراً فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ}ولم يكتف بذلك لأن العلم لابد له من العمل
فأكمل وقال{إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ
وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ}[1]يعني وفقه في العمل الذي تعلمه وحادثة الهجرة
السعيدة تزيد إيمان المؤمن إيماناً وتفاصيل الحادثة الحمد لله كلنا يعلمها
لكن اكتفي منها بما أبشر به نفسى وإخواني بعناية الله وكفالة الله وتأييد
الله لكل عبد تمسك بهدى الله يكفينا جميعاً قول الله{إِلاَّ تَنصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}ولم يقل في الآية فقد ينصره الله وإلا كان النصر
معلقاً وحادثاً لكن جاء بما يفيد أن النصر من الله مقدر له قبل خلق الخلق
لأن القرآن كلام الله القديم فقد نصره الله قبل خلق الخلق، ونصر الله واضح
في آيات القرآن فإن الله كما أخبر القرآن عندما خلق الحبيب روحاً نورانية
قبل خلق جسمه وخلق أرواح الأنبياء والمرسلين جميعهم وأخذ عليهم العهد
والميثاق أجمعين أن يؤمنوا به وينصروه ويؤازروه ويبلغوا أممهم بصفاته
ونعوته ويطلبوا ممن طال به الزمن إلى عصر رسالته أن يؤمنوا به
ويتبعوه{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ}وهذا قبل
الرسالة{لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ}
والرسالة لا تكون إلا بعد ظهور الجسم في الحياة الدنيا لأنها تكليف من
الله لإبلاغ دعوة الله إلى الخلق. ماذا أخذ على النبيين من الميثاق؟{
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ }يؤمنوا به وينصروه فأخذ الله العهد
على الأنبياء أجمعين أن ينصروا رسول الله كيف ينصروه ولم يكونوا في زمانه
وتنتهي آجالهم قبل مجئ أوانه؟ينصروه بإظهار صفاته ونعوته وعلاماته لأممهم
وأتباعهم ويأمرونهم أن يتبعوه إذا حضروه وقد كان ذلك والأمر يطول إذا
تتبعنا السيرة العطرة لكن يكفي ما جاء على لسان نبي الله موسى وما جاء على
لسان نبي الله عيسى{وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ}ولم يبشروا به وبنعوته فقط بل حتى أوصاف أصحابه كانت مذكورة في
التوراة والإنجيل{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} مثلهم
في التوراة ومثلهم في الإنجيل مذكورين بصفاتهم حتى أن التاريخ يروي أن عمر
بن الخطاب لما توجه للصلح مع البطارقة واستلام مفاتيح بيت المقدس ذهب
وخادمه ولم يكن لهم إلا مركب واحد فكانوا يتناوبون ركوبه عمر يركب والخادم
يمشي ثم يركب الخادم ويمشي عمر خلفه فلما اقتربوا من القوم كانت نوبة
الخادم في الركوب فقال يا أمير المؤمنين إني تنازلت لك عن نوبتي هذه لأن
القوم على استعداد للقاءك وكيف يلقون أمير المؤمنين ماشياً والخادم يركب
فأصر عمر على ذلك فلما دخلوا عليهم سألوا أين عمر؟فقالوا: الذي يمشي
فقالوا:هكذا نجد عندنا صفته في الإنجيل إنه يدخل بيت المقدس ماشياً وخادمه
راكب بجواره، فأوصاف أصحابه كذلك ذكرها الله في التوراة وذكرها الله في
الإنجيل وذكرها الله في الزابور وذكرها الله في كل الكتب السابقة وأنتم
تذكرون جميعاً أنه قال: {أَنا دَعْوَةُ أَبي إِبْراهيمَ}[2]{رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ}هذه دعوة سيدنا إبراهيم فنصر الله
لحبيبه ومصطفاه كان من قبل القبل فقد أيده وأمر الرسل الكرام بإبلاغ صفاته
ونعوته لأممهم وهيأ الكون كله وأمره أن يكون رهن إشارته، لكن العبرة التي
نحتاج إليها في هذه الظروف الحالكة في حياتنا اليوم أن نعلم علم اليقين ولا
نشك في ذلك طرفة عين ولا أقل أن أي رجل منا أقبل بصدق على الله وتمسك في
سلوكه وهديه وحياته بشرع الله فلم ينافق ولم يمارِ ولم يبتغِ بعمله إلا وجه
الله فإن الله يجعل له قسطاً من نصر الله لحبيبه ومصطفاه فيؤيده وينصره في
أي موقع وفي أي زمان وفي أي مكان لأن هذه سنة الله التي لا تتبدل ولاتتغير
على مر الزمان ولا بتبديل المكان ونأخذ مثالاً واحداً كي لا نطيل
عليكم{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا
فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ
مَعَنَا}فاسمعوا سيدنا موسى عندما خاف قومه بعد خروجهم من مصر من اللحاق
بهم فقالوا له: النجدة فقال لهم: لا تخافوا{كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي
سَيَهْدِينِ}أنا معي ربي لا تخافوا ولكن سيدنا رسول الله قال{إِنَّ اللّهَ
مَعَنَا}أي معنا جميعاً ولم يقل إن الله معي ومعنا هذه هى بشرى لكل مؤمن
إلى يوم القيامة ولذلك أيده الله في كتاب الله فقال{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ
مَن يَنصُرُهُ }فالذي ينصر الله ينصره الله،وهل هل الله يحارب لننصره؟ لا
ولكن يعنى من ينصر شريعته ويقيمها في نفسه وفي بيته وفي عمله وفي أهله
وفيمن حوله فنصر الله يعني إحياء شريعة الله والعمل بها بين خلق الله وماذا
كانت النتيجة ؟ بماذا أيده الله؟{فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا }أولاً أنزل عليه السكينة وكيف نأتي
بها؟لاتأتي إلا بتوفيق الله لمن أحبه الله واجتباه{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ
السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}وكما أنزل عليه السكينة أنزل
علينا السكينة والسكينة يعني الطمأنينة بوعد الله والثقة في قدرة الله
ورعاية الله وكلاءة الله وصيانة الله وحفظ الله لمن تمسك بشرع الله ابتغاء
وجه الله فكما أنزل الله عليه السكينة أيضاً فتح المجال لجميع المؤمنين
وأعلمنا علم اليقين أن السكينة لا تأتي إلا من عنده وهو الذي ينزلها بنفسه
حتى أنه لا ينزلها عن طريق ملك ولا عن طريق أي كائن أو مخلوق بل هو ينزلها
ولم يقل ينزل (بالمضارع) بل قال أنزل السكينة في قلوب المؤمنين فيحبب إليهم
الإيمان ويشرح صدروهم للعمل بأركان الدين والاهتداء بتعاليم القرآن
والتأسي بسنة النبي العدنان ثم ماذا؟{وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ
تَرَوْهَا}أيده بالملائكة وأيده بالأرض وقال له: الأرض طوع أمرك مرها بما
شئت فيقول لها:خذيه فتمسك بفرس الفارس الذى خرج ليلحق به وتغوص به فيقول
لها اتركيه فتتخلى عن الفرس فكانت طوع أمره وليس مرة واحدة ولكن ثلاث مرات
وأيده بالحمام وأيده بكائن بسيط وحشرة صغيرة وهي العنكبوت وأيده بالأنصار
وأيده بالمهاجرين بل وأيده بأناس قبله جهزوا له المكان الذي سيسكنه فالهجرة
إلى المدينة كان يعلمها من قبل من ساعة ما نزل عليه الوحي وأخذته زوجته
السيدة خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وقال له: ليتني أكون فيها جزعاً
(يعني شاباً فتياً) عندما يخرجك قومك. فقال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم ما
أُرسل رسول بما أرسلت به إلاأخرجه قومه حتى المكان الذي هاجر إليه كان
يعلمه منْ سبقه من الأنبياء والمرسلين ولذلك يروي القرآن أن اليهود تركوا
بلاد الشام وجاءوا إلى المدينة مترقبين ظهور النبي الذي قرُب زمانه وعندهم
صفاته وكانوا يرجون أن يكون منهم وقد ذكر الله ذلك{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا
عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ}فقد كانوا عندما تحدث بينهم حرب وبين أي قبيلة
يقولون كما قالت السيرة العطرة: (اللهم بحق النبي الذي ستبعثه في آخر
الزمان انصرنا عليهم) فينصرهم الله وهذا معنى الآية(وَكَانُواْ مِن قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ) أي يطلبون به النصر فينصرهم
الله هل كانوا يعرفونه؟ القرآن يقول (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءهُمْ) وهل هناك أحد لا يعرف أولاده الذي أريد أن أصل له بنفسي
وإخواني أننا جميعاً لنا نصيب في هذا الأمر إذا استمسكنا بهدى الله ولم
تغرينا مغريات الحياة ما الذي جعل الله ينصر رسول الله هذا النصر العظيم؟
أنه تمسك بهدى الله رغم ما عرضوا عليه في هذه الحياة فقد عرضوا عليه المال
وقالوا: إذا كنت تريد مالاً جمعنا لك مالاً حتى تصير أغنانا وإن كنت تريد
الملك جعلناك ملكاً علينا وإن كنت مريضاً طلبنا لك الشفاء والدواء والأطباء
قال: لا أريد ملكاً ولا مالاً ولا أي شئ في الدنيا (إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ
عَلَى اللّهِ)أريد أن تهتدوا إلى الله ولا أريد منكم شيئاً، ولذلك قال فى
الأثر: {كن مع الله يكن الله معك}إن الدرس العملي الذي نأخذه جميعاً من
هجرة رسول الله وما أكثر دروسها أن المرء منا لا يتوقف عند أي أمر أمره به
الله مهما لاقى في سبيل ذلك من صعاب فالذي أعز أصحاب رسول الله شدة عقيدتهم
فكان الرجل منهم لا يبيح لنفسه أن يخرج عن المثل والمبادئ الإيمانية قيد
أنملة خوفاً من الله مهما تعرض له من صعاب لكن في عصرنا الآفة التي انتشرت
في مجتمعنا أن الناس قد اجتهدوا من عند أنفسهم اجتهاداً خاطئاً في تبرير
الزيغ والبعد عن المثل والمبادئ الإيمانية فيبيح لنفسه الكذب بحجة أنه مضطر
ويبيح لنفسه أخذ ما يريد من المال العام بحجة أن مال الحكومة ملك للجميع
وكل واحد له فيه نصيب ويبرر لنفسه التزويغ من العمل بحجة أن أجره لا يكفي
وهذا الوقت على قدر فلوسهم مثلما نسمع منهم ويبيح لنفسه أن يخدع في تجارته
أو يغش في بيعه وكيله وبلسانه وإلا لن يستطيع أن يعيش أو يكسب في زعمه هذه
الحاجات التي سولّتها لنا النفس وعززها الشطان وهذا الذي جعل الله يبتلينا
ليذكرنا وليس للانتقام منا لأنه لا ينتقم من المؤمنين ولكن يذكرنا المرة
تلو المرة بالمرض أو الفقر أو الغلاء فكل هذه ابتلاءات كي نرجع إلى الله
لكن والله الذى لا إله إلا هو لو تمسكنا بهدى الله لفتح الله لنا الخيرات
في الأرض وأنزلها من السماء وكنا كأهل الجنة تأتينا أرزاقنا في أيدينا دون
عناء أو تعب(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)لم يقل فتحنا
عليهم خيرات لأن الخيرات ممكن تكون كثيرة ولكنها لا تكفي لأنها ليس فيها
بركة لكن لو رزقنا القليل وبارك الله فيه لأغنى عن الكثير والكثير فنحن يا
إخواني نشتكي في زماننا من كثرة الأمراض ومع كثرة المستشفيات لم تعد تستطيع
أن تقوم بمهمة العلاج والأمراض الموجودة في الأجسام كلها لا تساوي مرضاً
واحداً من أمراض الأخلاق التي حذّر منها الكريم الخلاق والتي تنخر في
مجتمعنا نخر السوس كالشّقاق والنفاق والحسد والبغضاء والكراهية والأحقاد
وغيرها من الأمراض التي نعاني منها من الضغوط النفسية والتوترات العصبية كل
هذا يسبب وجود الأمراض الجسدية والأمراض الجسدية لو لم يوجد خلفها
التوترات العصبية سوف تشفى بإذن الله لكن الذي يزيد المرض هو التوترات
والضغوط والمشاغل وكل هذا جاء من الحسد لهذا والكره لهذا حتى أن كل مؤمن
بينه وبين إخوانه المؤمنين حروباً لا عدّ لها حروب مع الأولاد وحروب مع
زملائه في العمل والحروب مع الأقارب لماذا ؟أين الذين قال الله
فيهم{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ
مُّتَقَابِلِينَ}الذين ملأوا المحاكم من أجل سهم في البيت أو سهمين في
الغيط والأخ وأولاده وزوجته حرب على أخوهم والثاني كذلك وهذا يستعد وهذا
يستبدّ ألم يسمعوا عن القول الذين أخذوا الغرباء عنهم في النسب لكنهم معهم
وقريبين منهم في الدين ويقول له تعالَ أقسم بيتى نصفين وتختر أحدهما والمال
نصفين واختر ما يعجبك وانظر إلى زوجتى الاثنتين أيهما تعجبك فأطلقها وبعد
انتهاء العدة تتزوجها أنت على سنة الله ورسوله هؤلاء الجماعة ماذا قال الله
لهم في الوسام الذي أعطاه لهم؟{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}ليس ذلك فقط بل عندما جاءت
الفتوحات وجاءت الخيرات جمعهم النبي وقال لهم تعالَوْ معشر الأنصار
وتعالَوْ معشر المهاجرين فقال للأنصار: ما رأيكم جاءت إلينا خيرات كثيرة
أقسمها بينكم أنتم والمهاجرون ويظلون معكم؟ أم أعطيها للمهاجرين ويتركوا
لكم البيوت والأموال التي معهم؟ قالوا: لا أعطيها لهم كلها ولا نأخذ شيئاً
خرجنا منه لله{لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءُ الْرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ
كَالْكَلْبِ يرجع فِي قَيْئِهِ }[3]اعطِ لهم الكل ونحن والحمد لله يكفينا
رضاء الله علينا أين هؤلاء يا إخواني؟هؤلاء هم أجدادنا وهم آباؤنا وهم
قدوتنا وهم أسوتنا وهم الذين قال الله فيهم
{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}فنحن جميعاً
نحتاج نصر الله وتأييد الله ولطف الله وتوفيق الله وهذا هو السبيل البين
والطريق القويم له
[1] رواه البزار عن ابن مسعود، البيهقي في شعب الإيمان عن أنس.
[2] رواه ابن سعد عن الضحاك مرسلاً في كتاب جامع الأحاديث والمراسيل.
[3] رواه أحمد عن ابن عباس